الجمعة، 15 أبريل 2016

التعامل مع الحاقدين بقلم /عماد سمير نايل

مَهْمَا  كنت مثاليا طيب القلب محبا للجميع ومهما كنت معطاء باذلا للخير   تقدم يد العون لكل طالب ولا تحجب فضلك عن كل راغب ، فلابد أن يكون لك أعداء وأن تعاني من الحاقدين  والحاسدين  الذين يؤلمهم نجاحك ويزعجهم تفوقك ويعكر عليهم صفو حياتهم وجودك ، فمنهم من ينكر نجاحك ، ومنهم من يقلل من شأن إنجازك، ومنهم من يتهمك بالنفاق والوصولية في تحقيق هذا النجاح ومنهم من يبرر نجاحك بأنهم أخلوا ساحة التنافس لك ولو كانوا موجودين لبزوك وسبقوك وتراهم قد رأوا القذاة في عينك وأهملوا الجذع على ظهورهم .
تقتصر تصرفاتهم على نقدك ويفتقرون إلى الإنصاف في ودك وقد شابهوا اليهود في حسدهم كما قال تعالى ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)
قال عبد الله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله
. قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟
قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي.

وقال منصور الفقيه:
ألا قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب
ولقد جسد  الشاعر القديم  هذا الحال في قوله :
«إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحاً
منِّي، وما سمعوا من صالحٍ دَفَنوا».
وقال ابو العتاهية 
«فيا ربّ إن الناس لا ينصفونني
فكيف ولو أنصفتهم ظلموني
وإن كان لي شيء تصدّوا لأخذهِ
وإن جئتُ أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذْلي فلا شكر عندهمْ
وإن أنا لم أبذلْ لهم شتموني
وإن وجدوا عندي رخاءً تقرَّبوا
وإن نزلتْ بي شدَّةٌ خذلوني
وإن طرقتني نكبةٌ فكهوا بها
وإن صحبتني نعمةٌ حسدوني
سأمنع قلبي أن يحنَّ إليهمو
وأحجب عنهم ناظري وجفوني».
والشكوى من الناس قديمة قدم الدهر 



وقد عبَّر شعراؤنا القدامى عن ذلك خير تعبير، فهذا حسان بن ثابت يقول:
«وإن امرأً أمسى وأصبح سالماً
من الناس - إلا ما جنى - لَسعيدُ».


ويقول أيضاً:
«حتى كأنَّ الناس كلّهم
قد أُفرغوا في قالبٍ واحدِ».

أما أبو الطيّب المتنبي فيقول عن هؤلاء:
«ودهر ناسه ناسٌ صغارٌ
وإن كانت لهمْ جثثٌ ضخامُ
وما أنا منهمُ بالعيش فيهمْ
ولكنْ معدن الذهبِ الرغامُ».

كان المتنبي ينظر إلى صداقة الناس نظرة الشك والريبة وهو يضع قاعدة ذهبية للصفاء الإنساني تقوم على اختيار المعدن في الشدائد والنوائب، فهو يرى أن ودّ الناس قد صار خداعاً، ولما صار الأمر كذلك جاراهم الشاعر في مذهبهم هذا فصار يجزي على الابتسام بالابتسام دون أن يُعبِّر ذلك عن الودّ:
«ولـمَّا صار ودُّ الناس خبَّاً
جزيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ
وصرت أشكُّ فيمن اصطفيهِ
لعلمي أنه بعض الأنامِ
يحبُّ العاقلون على التَّصافي
وحبُّ الجاهلين على الوسامِ
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقصِ القادرين على التمامِ».

وقال أيضاً:
«غيري بأكثر هذا الناس ينخدعُ
إن قاتلوا جَبُنوا أو حدَّثوا شَجُعوا».

أما صديقه اللدود أبو فراس الحمداني فيقول:
«بمن يثق الإنسان فيما يرومهُ
ومن أين للحرِّ الكريم صحابُ
وقد صار هذا الناس إلا أقلّهمْ
ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ».

ويقول المعرّي:
«من الناس من لفظهُ لؤلؤٌ
يُبادرُهُ اللقطُ إذ يُلفَظُ
وبعضهمُ قولهُ كالحصى
يُقال فَيُلغى وَلا يُحفَظُ».

ويقول البحتري إنه لم يتأمَّل خيراً في العقلاء فكيف يتأمَّل هذا الخير في المجانين:
«ما كان في عقلاء الناس لي أملٌ
فكيف أمَّلتُ خيراً في المجانينِ».

ويُشبِّه الشريف الرضي الناسَ بالغربان التي تعيش على أكل الجيف:
«ما أخطأتكَ سهام الدهر رامية
فما أُبالي من الدنيا بمن تقعُ
الناس حولك غِربان على جيفٍ
بُلْه عن المجد، إن طاروا وإن وقعوا
فما لنا فيهمُ إن أقبلوا طمعٌ
ولا عليهمْ، إذا ما أدبروا، جَزَعُ».


ولا يرى ابن المعتز في الناس إنساناً بالمعنى الإنساني:
«وما خفنا من الناسِ
وهل في الناس إنسانُ؟».

ويقول الأحنف العكبري:
«عشت في ذلَّةٍ وقلةِ مالِ
واغترابٍ في معشرٍ أنذالِ
بالأماني أقول لا بالمعاني
فغذائي حلاوة الآمالِ
ليَ رزقٌ يقول بالوقف في الرأي
ورِجْلٌ تقول بالإعتزالِ».

أما ابن ظافر فيرى أن الناس متساوون في ضررهم:
«قد استوى الخلْقُ حتى ما ترى أحداً
إلا وفيه على إخوانهِ ضَرَرُ».

وينصح علي بن الجهم سامعَه بتوقِّي الناس بسبب طبيعتهم الغادرة:
«تَوَقَّ الناس يا ابن أبي وأمِّي
فهم نبع المخافة والرجاءِ
ألم ترَ مُظْهِرِين عليَّ عَتْباً
وكانوا أمس إخوان الصفاءِ
بُليتُ بنكبةٍ فغدوا وراحوا
عليَّ أشدّ أسبابِ القضاءِ».

أما دعبل الخزاعي فيُوجِّه هجاءه للناس عامّة، دون أن يخصَّه بأشخاص محدَّدين:
«ما أكثر الناس! لا بل ما أقلهُمُ
الله يعلمُ أني لم أقلْ فندا
إني لأفتحُ عيني حين أفتحها
على كثيرٍ، ولكنْ لا أرى أحدا».

ويقول أبو نواس عن الناس (ويُروى هذا البيت للحلَّاج أيضاً):
«مالي وللناس كم يَلْحونني سَفَهاً
ديني لنفسي ودينُ الناسِ للناسِ».

أما الإمام الشافعي فيستحضر ذكْر الكلاب في سياق التعبير عن السخط على فساد أحوال الناس حيث يقول:
«ليت الكلاب لنا كانت مجاورةً
وليتنا لا نرى ممن نرى أحدا
إن الكلاب لتهدأ في مرابضها
والناس ليس بهادٍ شرّهم أبدا
فانجُ بنفسك واستأنس بوحدتها
إن السعيد الذي قد عاش منفردا».

وللشافعي أيضاً أبيات بعنوان الناس داء:
«إني أُحيِّي عدوي، عند رؤيته
لأدفع الشرَّ عنِّي بالتحياتِ
الناس داءٌ، وداء الناس قربهمُ
وفي اعتزالهم قطع المودَّاتِ
ولست أسلمُ من خلٍّ يخالطني
فكيف أسلمُ من أهل العداواتِ؟».

أما السهروردي فيقول واصفاً حال دنياه بعدما زُجَّ به في السجن بيدِ أقرب الناس إليه:
«تولَّتْ بهجةُ الدنيا
فكلُّ جديدها خَلِقُ
وخانَ الناسُ كلّهم
فما أدري بمن أثقُ
فلا حسبٌ ولا نسبٌ
ولا دينٌ ولا خلقُ
فلستُ مصدِّق الأقوام
في شيءٍ وإن صدقوا».

أما ابن المرزبان، المتوفى سنة 388هـ فقد ساءت الأوضاع في عصره وساءت لذلك أخلاق الناس، فأراد أن يُعبِّر عن سخطه ونقمته فوضع كتاباً يُعتبر من طرائف الكتب أسماه «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» قال فيه:
«ذهبَ الناس وانقضتْ دولةُ المجدِ
فكلٌّ - إلا القليل - كلابُ
إنَّ من لم يكن على الناس ذئباً
أكلته في ذا الزمان الكلابُ».

وقال أعرابي:
«أيا مالك، لا تسأل الناس والتمسْ
بكفَّيك فضل الله، فالله أوْسَعُ
ولو تسأل الناس الترابَ لأوشكوا
إذا قيل: هاتوا، أن يملّوا ويمنعوا».

أما منصور التميمي فيرى أن النجاة تكون في الابتعاد عن الناس:
«الناس بحرٌ عميقٌ
والبعد عنهم سفينهْ».

ويقول علي بن عبد العزيز القاضي:
«يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما
رأوا رجلاً عن موقف الذلِّ أحجما
أرى الناس من داناهم هانَ عندهمْ
ومن أكرمته عزة النفس أكرما».
(الانقباض: البعد عن الناس)

ويرى أبو بكر بن دريد أن الزمان الفاسد يفسد الرجال:
«الناس مثلُ زمانهمْ
قدّ الحذاء على مثالهْ
ورجال دهركَ مثلُ دهركَ
في تقلُّبه وحالهْ
وكذا إذا فسد الزمانُ
جرى الفساد على رجالهْ».

وقال أيضاً:
«وما الناسُ إلا جاحدٌ ومعاندٌ
وذو حَسَدٍ قد بانَ فيه التخاتُلُ».

ويقول أبو بكر الصولي:
«أحسنتُ ظنِّي بأهل دهري
فحسن ظنِّي بهم دَهاني
لا آمنُ الناسَ بعد هذا
ما الخوف إلا من الأمانِ».

ويقول الشاعر والطبيب أمّية بن عبد العزيز بن أبي الصلت:
«مارستُ دهري وجرَّبتُ الأنامَ فلمْ
أحمدهمُ قطّ في جدٍّ ولا لعبِ
وكم تمنَّيتُ أن ألقى به أحداً
يُسْلي من الهمِّ أو يعدي على النُّوَبِ
فما وجدتُ سوى قومٍ إذا صدقوا
كانت مواعيدهمْ كالآلِ في الكذبِ
وكان لي سببٌ قد كنت أحسبُني
أحظى به وإذا دائي من السببِ».

ويتعجَّب ناصيف اليازجي من أن الجميع يذمُّون الدهر متسائلاً عن سبب المشكلة إذا كان الجميع أفاضل وأبرياء:
«كلٌّ يذمُّ الدهرَ فالذي نجا
بذمِّه يدخل في ذمِّ الملا
كلٌّ يعدُّ نفسه نعم الفتى
فمن هو اللئيم فينا يا ترى».

ويقول ابن جبير:
«الناس مثل ظروفٍ حَشْوُها صَبِرٌ
وفوق أفواهها شيءٌ من العَسَلِ
تَغُرُّ ذائقَها حتى إذا كُشِفَتْ
لَهُ تبيَّنَ ما تَحْويهِ من دَخَلِ».

ويقول ابن فارس عن أخلاق الناس في عصره:
«اسمعْ مقالةَ ناصحٍ
جمعَ النصيحة والمقهْ
إياك واحذرْ أن تبيتَ
من الثقاتِ على ثقهْ».

لذلك اختار ابن فارس العزلة عن الناس، والائتناس بما تيسَّر من وسائل الأنس: سراج يضيء له أو كتاب يقرأ فيه، أو قطة يلهو بها وينادمها:
«نديمي هرَّتي وسرور قلبي
دفاتر لي ومعشوقي السراجُ».

وينصح أبو بكر بن عطية الأندلسي بالابتعاد عن الناس بل الفرار منهم وتفضيل الذئاب عليهم:
«كُنْ بذِئْبٍ صائِدٍ مُسْتَأْنِساً
وإذا أبصرتَ إنساناً فَفِرّ
إنما الإنسانُ بحرٌ ما لهُ
ساحلٌ فاحذرهُ إياك الغَرَرْ
واجعلِ الناسَ كشخصٍ واحدٍ
ثم كنْ من ذلك الشخص حَذِرْ».

ولا يرى الإمام الشافعي في الناس سوى صنفَين: شامت وحاسد:
«ولما أتيتُ الناسَ أطلب عندهمْ
أخا ثقةٍ عند ابتلاء الشدائدِ
تقلَّبتُ في دهري رخاءً وشدَّةً
وناديتُ في الأحياء: هل من مساعدِ؟
فلم أرَ في ما ساءني غير شامتٍ
ولم أر في ما سرَّني غير حاسدِ».

وفي هذا المعنى يقول الشافعي أيضاً:
«وما أكثر الإخوان حين تعدّهم
ولكنهمْ في النائباتِ قليلُ».

وأخيراً نستشهد بما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل محمد العدناني في قصيدة بعنوان «الناس»:
«قد حرتُ كيف أسوسُ الناسَ قاطبةً
وكيف أطفئُ حقدَ الصدرِ مضطرما
لئن شممتُ شذا من نبلِ بعضهم
فجُلُّهمْ من فؤادي قد أسال دما
وإن كبحتُ لساني عن مثالبهمْ
تعفُّفاً، قيل: يخشى البطش والنِّقَما
وإن تصاممتُ عما أرجفوا، حسبوا
- يا للغباوة - أني أشتكي الصمما
وإن تغاضيتُ عن لؤمٍ به نُكبوا
راحوا يذيعون أني مبتلىً بعمى».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ظاهرة الشيخ الاوحد وعلاقتها بالارهاب - د- عماد نايل

  يقول المثل الانجليزي two heads are better than one. ومعناه رأسين أفضل من رأس واحد والمثل يبين قيمة انضمام العقول في التفكير و في العلم و...