أهلا بكم في الدرس الرابع والأخير من دورة مهارات القراءة..
عنوانه : القراءة الإبداعية و طرق الترغيب في القراءة
كما اعتدنا أرجو أولا إجراء اختبار التهيئة قبل قراءة الدرس..
القراءة الإبداعية :
إذا كنا اتفقنا على أن :
القراءة الحرفية قراءة الأسطر
و التحليلية قراءة ما بين الأسطر
والناقدة قراءة ما وراء الأسطر
فإن القراءة الإبداعية قراءة ما هو خارج الأسطر
وبالتالي هي قمة مستويات الفهم القرائي لأنها عصارة التجارب وثمرة القراءات
والقراءة الإبداعية أعلى درجات السلم في مراحل القراءة؛ فمن لم يفهم شكل النص"الحرفي " أو لم يحلل النص جيدا أو لم يتمكن من ملاحظة نقاط الضعف و القوة ويحكم على النص "الناقدة" فإنه لن يصل إلى القراءة الإبداعية "الجيدة على الأقل "
وإذا كانت القراءة الناقدة نمطا من أنماط التفكير الناقد, فإن القراءة الإبداعية نمط من أنماط التفكير الإبداعي ..
والتفكير الإبداعي في أبسط مفاهيمه: النظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة ..
وبالتالي فقد يتفق قارئان ناقدان تماما في قراءتهما لنص ما, لكن لا يتفقان في حالة قراءتهما الإبداعية..
لماذا؟
لأن الإبداع بصمة خاصة.. و في اللغة:
بدَع الشيءَ يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أَنشأَه وبدأَه ..والبَدِيعُ والبِدْعُ: الشيء الذي يكون أَوّلاً.... وفلان بِدْعٍ في هذا الأَمر أَي أَوّل لم يَسْبِقْه أَحد...وأَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْته لا على مِثال.
فسبحان بديع السموات و الأرض !
و للتقريب فإنك حين تصف شيئا وتقول : أمر إبداعي أي أنه جاء على غير سابق صورة تشبهه ، مما يعني أن القراءة الإبداعية حالة خاصة بقارئ خاص لا تفترض أن يعيشها قارئ آخر بنفس الدرجة..
إذا ارتقت القراءة الناقدة إلى حالة تعايش خاصة مع النص وألحّ كثيرا على ذهن القارئ فإنه سينتج فهمه الخاص وهنا نسميها قراءة إبداعية..
إذا طرح معلم الرياضيات سؤالا وتوقع الحل وفق القانون وأتى طالب بالحل بطريقة مختلفة تماما لكنها صحيحة فهذا فهم إبداعي للسؤال..
شروط القراءة الإبداعية:
-أول و أهم شروطها الحرية.. الحرية في فضاء القارئ بما أن الأمر يتعلق بالإبداع والذائقة لا الصواب والخطأ..
هذا مهم حتى للمعلم الذي يسعى إلى تنمية القراءة الإبداعية في نفوس طلابه حتى لو خالفوا وجهة نظره
أو لم يقنعوه تماما بقراءتهم .. ما دامت من إنشائهم استنادا على النص..
- ألا تنسف أصولا في الفن الذي تتناوله أما لو جاءت بدليل وفكرة فهذا هو المطلوب والمأمول.
- ألا تكون القراءة متناقضة مع نفسها تنفي مرة وتثبت مرة .- أن تبتعد عن التقليد والأفكار المعلبة لأن هذا يخرجها من الإبداع.
- أن تكشف عن المعاني الرمزية التي قد يقصدها الكاتب ويغلفها لسبب أو لآخر دون أن يعسف النص ومن ذلك المتأمل لكتاب كليلة ودمنة الذي قال ابن المقفع في مقدمته:"و قد ينبغي للناظر لكتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزويقه بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال ويقف عند كل كلمة و كل مثل ويعمل فيه رؤيته" (إعمال الرؤية الخاصة هو التفكير خارج الأسطر وهو مفهوم القراءة الإبداعية")
عوامل مؤثرة على جودة القراءة الإبداعية :
والحديث حول هذه العوامل مختلف عليه في أوساط المتخصصين في القراءة حول أهمية كل عامل :
أولا:
علاقة القارئ بالكاتب أو منشئ النص,قد يدعو بعض النقاد إلى نظرية"موت المؤلف" لمحاكمة النص بعدالة ..
و إن اتفقنا او اختلفنا مع هذا في القراءة الناقدة إلا أن القراءة الإبداعية حالة من التحليق بصحبة نص, إنها ما يسميه الخبراء "قدح الذهن" وقد يستلزم هذا وجود وحضور من أشعل الشرارة الأولى وهو الكاتب..
مثال 1-
كتاب المناظر لابن الهيثم قدح أذهان الذين يثقون به من قرائه فتبنوا الكثير من المخترعات البصرية بناء عليه, بل بعضهم ممن اختلف مع الكاتب فأبدع ليخالف كتابه وهذه هي عين الفهم الإبداعي الخارج عن أسوار النص..
مثال 2:
من هذا بعض اللفتات في شروح ديوان المتنبي –على سبيل المثال- المرتفعة عن الاستنتاج والتحليل والنقد فلولا حب وإعجاب المعري بالمتنبي ما أبدع وتميز في شرح ديوانه ولولا تأثر محمود شاكر رحمه الله بشخصية المتنبي ما أنتج قراءاته الإبداعية لقصائد المتنبي في سفره الشهير "المتنبي"..
مثال 3:
مَن أكبر في نفسه سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وتأمل الكثير من مواقفه نادرة الشجاعة , وأحبه من حب النبي صلى الله عليه وسلم
من تشرّبت نفسه كل هذا لا يمكن أن يقرأ هذه الأبيات دون أن تهزّه بخشية تجعله يتعايش في إبداع النص وإن كان في ميزان النقد بلا صور ولا خيال فقد جاء تقريرا خالصا ومع هذا ؛ أنصت واسمح لدويّ الشعر من حب الشاعر الذي يفتح لك آفاق التأمل للقراءة :
محمدٌ النبيُّ أخي وصهري .. وحمزةُ سيدُ الشهداءِ: عمّي
وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي.. يطيرُ مع الملائكةِ : ابنُ أمّي
وبنتُ محمدٍ سكني وزوجي.. مشوبٌ لحمها بدمي وعظمِي
وسبطا أحمدٍ ابناي منها .. فأيـُّـكم له سهمٌ كسهمي؟!
ثانيا: علاقة القارئ بالنص:
لن يجيد الوصول إلى مرحلة الإبداع إلا من هو على وفاق مع النص وتآلف وتحالف
لن تكون هناك قراءة إبداعية لنظرية كيمياء بإضافة واقتراحات إلا من فهم النص وتفاعل معه وأعمل فيه ذهنه ومواهبه.
و كذلك الحال في الأدب وكافة الفنون, سيصل القارئ للإبداع إن فهم أسس بناء النص فهما دقيقا ..
وهنا يمكن القول إن النص الجيد قد يفرض نفسه غنيا عن بقية العوامل فلا يتأثر الإبداع حوله بالكاتب او الظروف أو مجاله..
قد يعجب الطبيب بقصيدة شاعر لا يعرفه وتؤثر فيه فيقرأها إبداعيا وإن كان بعيدا عن كاتبها ومجالها وظروفها.. فالنص هو الحكم الأقوى في عوامل القراءة الإبداعية والحقيقة أن توافر بقية العوامل لا يغني شيئا إن ضعف النص أو ضعف الوصول إليه..
ثالثا علاقة القارئ بالظروف :
إن ما تقرعه ظروف نص في قلب قارئ لا تقرعه في قلب آخر بعيد عن مواقفه..
مثال:
أي القارئين ستكون قراءته إبداعية لمرثية أبي ذؤيب الهذلي: قارئ حديث فجيعة بابنته أم قارئ لم يجرب الأبوة قط!
و على هذا يمكن فهم تأثير الظروف على القراءة الإبداعية..
رابعا: تأثير المجال :
من سيقرأ نظريات نيوتن بإبداع وإضافة واقتراحات ؟
الشعراء أم الفيزيائيون؟
ومن سيقرأ بإبداع خريطة الإدريسي ويضيف إليها و يشرحها وينقحها ؟ الجغرافيون أم أهل الكيمياء؟
إن التخصص سيد الإبداع الأول, وإن كان لبعض الموهوبين سمات متنوعة موسوعية .. لكن في عصرنا إن أردت أن تبدع حقا: تخصص..
فقراءة المتخصص للأدب الأندلسي أدق من المتخصص في الأدب عامة ومن تخصص في شعر الطبيعة سيكون الأجود لأنه الأكثر إتقانا للمجال..
استراتيجيات القراءة الإبداعية:
للقراءة الإبداعية ثلاث مراحل:
قبل قراءة النص:
- التنبؤ بأفكار النص (من كان يتنبأ معنا بأفكار الدرس الأول و الثاني هو في الأصل يجرب إحدى استراتيجيات القراءة الإبداعية)
أثناء قراءة النص:
التساؤل عن معلومات أثناء قراءة النص بحيث تكون:
• الأسئلة لها علاقة بالنص نفسه.
• الأسئلة ليست لها علاقة بالنص.(تاريخ الكاتب أو العصر مثلا)
• الأسئلة استنباطية.
• الأسئلة في محاولة لفهم مابين السطور.
بعد قراءة النص:
• إعطاء تقديرات للنص.(التقديرات من تخصص الناقدة لكن إن أتت بتفرد مع دليل و منطق فهي إبداعية )
• اقتراح التعديلات التي يمكن إضافتها. (يمكنكم المرور على منتدى الإبداع ومتابعة ما يكتبه القراء من تعليقات على النصوص إن كانت استنتاجا أو حكما بجودة أو رداءة فهذا قارئ ناقد، وإن كانت مصحوبة باقتراحات للتعديل أو إضافات أو معارضات فهو قارئ مبدع ولا شك)• تمثيل أحداث القصة.
• رسم لوحة حول النص. (تحويل النص من شكل إلى آخر إبداع لأنه إنشاء خاص)
الخلاصة:إن القراءة الإبداعية تأمل وتفكير قبل و أثناء وبعد القراءة, "إنها فحص النص بدقة و الإنصات إلى نغم وإيقاع الكلمات والمعاني والبحث عما تخبئه من أسرار" وقد ذكر صلاح الدين الصفدي أبياتا مبهمة ثم قال:
قد تركت هذا المعنى غفلا ولم أوضح معناه لتعمل قريحتك وتشحذ ذهنك في استخراج النكتة فإنه إذا ظهر لك هز عطفك وكاد يطير بلبّك"
هذه هي .. اهتزاز الإبداع ونشوة التفرد في القراءة ومتعة التحليق خارج سرب قراء النص وهنا يمكن أن نقول: لكل نص قراءات بعدد قرائه ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترغيب في القراءة
الحديث كثير عن الترغيب في القراءة إيمانا بأهميتها وتعزيزا لأهدافها..
هي حاجة أساسية بذاتها لا لوظيفة ولا لتكسب ولا لتحصيل-على أهمية كل ذلك-
يقول العقاد: " إن القراءة لم تزل عندنا سُخرة يساق لها الأكثرون طلبا لوظيفة أو منفعة ولم تزل عند أمم الحضارة حركة نفسية كحركة عضو في البدن لا يطيق الجمود"
وهو نفسه القائل عن الترغيب في كتاب نافع مركز:" قراءة كتاب جيد ثلاث مرات خير لي من قراءة ثلاثة كتب رديئة" وهو ما أسميناه ثقافة التخصص..
و قبل أن تقتني أي كتاب أو تشرع في تصفح أي موقع خذ بنصيحة الرافعي:
(كل مقروء يرمي إلى إحدى ثلاث: اكتساب قريحة, أو فكر واسع, أو ملكة تقوي على الابتكار..فاقرأه ..)
ما سوى ذلك لا تضيع وقتك..
وقد وجدت اختصارا لكل النصائح للوصول إلى تجديد العهد بالكتاب و نفض الغبار عن الرفوف فوجدتها شاملة عند الأستاذ سلطان الدويفن جزاه الله خيرا.. فتأمل النصائح العشر واعمل بها تغنم خيرا.. يقول:
هي عشر طرق لبناء عادة القراءة بقوة، ترجمتها عن المستشار / كيفين إيكينبري بتصرف،
وأسوقها على الترتيب التالي :
1 - اجعل الكتاب قريبا منك دائماً، بجوارك، سواء في البيت،أو في العمل ، أو في السيارة، ولا تذهب إلى أي مكان بدون مادة قرائية سواء كانت كتاباً أو مجلة أو جريدة، ولتجعل الكتاب قريباً من مكان نومك، بهذه الطريقة تبقى على اتصال دائم مع القراءة وتستفيد من وقتك.(من نصائح الشيخ سلمان العودة للأخوات: اجعلي الكتاب الصغير المفيد في حقيبتك دوما, مع عطرك و أدوات زينتك لأنه الأكثر تأثيرا وسحرا على جاذبيتك)
2 - اجعل لك هدفاً تحققه ، وحدد كم من الوقت تريد تمضيته في القراءة ؟ أو كم من الكتب تريد قراءتها ؟ فيمكن أن يكون هدفك كتاباً في الشهر ، أو كتاباً في الأسبوع، أو ثلاثين دقيقة في اليوم ، وابدأ بقراءة يمكن قياسها بسهولة تشعر من خلالها أنك قد أنجزت شيئاً لنفسك، وعلى الدوام اجعل لنفسك أهدافاً أعلى ! ووضع الأهداف التي تريد تحقيقها من خلال القراءة يعتبر أول الخطوات لتقرأ أكثر.
3-ضع سجلاً ، ويقصد المستشار بأن تجعل لك سجلاً تكتب فيه الكتب التي قمت بقراءتها ، ووضع السجل ( كتيب ملاحظات مثلاً أو ورقة أو على جهاز كمبيوترك الشخصي) والنظر فيه بين كل فترة وأخرى يعطيك دوافعاً نفسيه قوية وحماسية لمزيد من القراءة، وحافظ على مسار معين للوقت الذي تقضيه في القراءة يومياً.
4-ضع قائمة ، ويقصد بأن يكون لك قائمة بالكتب التي تريد قراءتها في المستقبل ، واسأل المختصين أو من تثق به عن الكتب الجيدة والمميزة في المجالات التي تود أن تقرأ فيها ، ويمكن النظر في التوصيات التي تطرح في المجلات والمواقع المعروفة بصدقيتها عن الكتب الجيدة والتي ينصح بقراءتها.وإذا عرفت الكتب العظيمة والرائعة التي تود قراءتها عزز هذا من عاداتك القرائية بقوة.
5 – أغلق التلفزيون، فمعظم الناس لا يملكون أوقاتاً كثيرة، واجعل مشاهدتك للتلفزيون بعقلانية وضمير، وبوقت أقل من الوقت الذي تمضيه في مشاهدته عادة.
6 - ارتبط مع مجموعة من الناس تهوى القراءة، أو المجموعات التي تناقش الكتب، والحل الأسهل والأيسر هو مخالطة ومعاشرة من يقرؤون بكثرة ، فهؤلاء يزيدون حماسك للقراءة, لأنهم يثيرون نقاشا محفزا كل مرة و أخبرهم بما قرأت لانكم تتشاركون متعة عظيمة، وإن لم تجدهم فاصنع من نفسك قارئاً عظيماً ولا تنتظر أحدا.
7- استمع عندما لا تستطيع أن تقرأ ، فهناك من الأشرطة المفيدة والنافعة الكثيرة والتي تفيدك في هذا الموضوع، والمواضيع الأخرى،لعدد من المثقفين والإداريين والتربويين العرب، ومنها للتجربة شريط للدكتور عبد الكريم بكار عنوانه: كيف تقرأ كتابا؟ عدا عن أشرطته النافعة الأخرى، وكتبه الأخرى التي كتبها للمثقفين ولمن هم دونهم، وله كتاب عنوانه القراءة المثمرة من الكتب الرائعة والتي أنصح بقراءتها في هذا المجال.
8- زر مكتبة باستمرار ! ومعك بالطبع قائمتك المفضلة, بخصوص الكتب التي تود قراءتها ، ولديك بعض الأفكار عن ما تود قراءته ، وابحث عن الممتع المميز المفيد واستكشف الكتب من الفهارس، واجعل موهبة اكتشاف الكتب المتميزة تنمو، فهي موهبة تنمو مع الوقت والاستمرار، وهي من متع الدنيا والتي لا يعرفها إلا من جربها !
9- ابن خطتك الشخصية ! فبعض الناس يقرأ الكتب الدسمة صباحاً والكتب السهلة ليلاً ، وكل له عادة ، فابن عادتك وخطتك الشخصية للقراءة ، يمكن أن تقرأ فقط ما تحتاجه من الكتاب وتترك الباقي فلست مجبراً على قراءة الكتاب كاملا، ويمكن أن تقرأ كتاباً واحداً عدة مرات، فكل شخص له ما يحتاجه ويرغبه من الكتب .
10 - اترك كل شيء غير مهم واقرأ ،افعلها ، فقط ابدأ ، هناك من يقرأ الآن، انضم إليهم ، أو انضم إلينا ، الآن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكرا لإكمالك قراءة الدرس..
يمكنك إعادة اختبار التهيئة للتأكد من الفهم العام القبلي
أو البدء مباشرة في اختبار الاستيعاب النظري للدرس
وهنا يمكنك الدخول للاختبار التطبيقي "ويوجد له صفحة لنماذج الإجابة"وجزاكم الله خيرا ونفعنا أجمعين..
عنوانه : القراءة الإبداعية و طرق الترغيب في القراءة
كما اعتدنا أرجو أولا إجراء اختبار التهيئة قبل قراءة الدرس..
القراءة الإبداعية :
إذا كنا اتفقنا على أن :
القراءة الحرفية قراءة الأسطر
و التحليلية قراءة ما بين الأسطر
والناقدة قراءة ما وراء الأسطر
فإن القراءة الإبداعية قراءة ما هو خارج الأسطر
وبالتالي هي قمة مستويات الفهم القرائي لأنها عصارة التجارب وثمرة القراءات
والقراءة الإبداعية أعلى درجات السلم في مراحل القراءة؛ فمن لم يفهم شكل النص"الحرفي " أو لم يحلل النص جيدا أو لم يتمكن من ملاحظة نقاط الضعف و القوة ويحكم على النص "الناقدة" فإنه لن يصل إلى القراءة الإبداعية "الجيدة على الأقل "
وإذا كانت القراءة الناقدة نمطا من أنماط التفكير الناقد, فإن القراءة الإبداعية نمط من أنماط التفكير الإبداعي ..
والتفكير الإبداعي في أبسط مفاهيمه: النظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة ..
وبالتالي فقد يتفق قارئان ناقدان تماما في قراءتهما لنص ما, لكن لا يتفقان في حالة قراءتهما الإبداعية..
لماذا؟
لأن الإبداع بصمة خاصة.. و في اللغة:
بدَع الشيءَ يَبْدَعُه بَدْعاً وابْتَدَعَه: أَنشأَه وبدأَه ..والبَدِيعُ والبِدْعُ: الشيء الذي يكون أَوّلاً.... وفلان بِدْعٍ في هذا الأَمر أَي أَوّل لم يَسْبِقْه أَحد...وأَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْته لا على مِثال.
فسبحان بديع السموات و الأرض !
و للتقريب فإنك حين تصف شيئا وتقول : أمر إبداعي أي أنه جاء على غير سابق صورة تشبهه ، مما يعني أن القراءة الإبداعية حالة خاصة بقارئ خاص لا تفترض أن يعيشها قارئ آخر بنفس الدرجة..
إذا ارتقت القراءة الناقدة إلى حالة تعايش خاصة مع النص وألحّ كثيرا على ذهن القارئ فإنه سينتج فهمه الخاص وهنا نسميها قراءة إبداعية..
إذا طرح معلم الرياضيات سؤالا وتوقع الحل وفق القانون وأتى طالب بالحل بطريقة مختلفة تماما لكنها صحيحة فهذا فهم إبداعي للسؤال..
شروط القراءة الإبداعية:
-أول و أهم شروطها الحرية.. الحرية في فضاء القارئ بما أن الأمر يتعلق بالإبداع والذائقة لا الصواب والخطأ..
هذا مهم حتى للمعلم الذي يسعى إلى تنمية القراءة الإبداعية في نفوس طلابه حتى لو خالفوا وجهة نظره
أو لم يقنعوه تماما بقراءتهم .. ما دامت من إنشائهم استنادا على النص..
- ألا تنسف أصولا في الفن الذي تتناوله أما لو جاءت بدليل وفكرة فهذا هو المطلوب والمأمول.
- ألا تكون القراءة متناقضة مع نفسها تنفي مرة وتثبت مرة .- أن تبتعد عن التقليد والأفكار المعلبة لأن هذا يخرجها من الإبداع.
- أن تكشف عن المعاني الرمزية التي قد يقصدها الكاتب ويغلفها لسبب أو لآخر دون أن يعسف النص ومن ذلك المتأمل لكتاب كليلة ودمنة الذي قال ابن المقفع في مقدمته:"و قد ينبغي للناظر لكتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزويقه بل يشرف على ما يتضمن من الأمثال ويقف عند كل كلمة و كل مثل ويعمل فيه رؤيته" (إعمال الرؤية الخاصة هو التفكير خارج الأسطر وهو مفهوم القراءة الإبداعية")
عوامل مؤثرة على جودة القراءة الإبداعية :
والحديث حول هذه العوامل مختلف عليه في أوساط المتخصصين في القراءة حول أهمية كل عامل :
أولا:
علاقة القارئ بالكاتب أو منشئ النص,قد يدعو بعض النقاد إلى نظرية"موت المؤلف" لمحاكمة النص بعدالة ..
و إن اتفقنا او اختلفنا مع هذا في القراءة الناقدة إلا أن القراءة الإبداعية حالة من التحليق بصحبة نص, إنها ما يسميه الخبراء "قدح الذهن" وقد يستلزم هذا وجود وحضور من أشعل الشرارة الأولى وهو الكاتب..
مثال 1-
كتاب المناظر لابن الهيثم قدح أذهان الذين يثقون به من قرائه فتبنوا الكثير من المخترعات البصرية بناء عليه, بل بعضهم ممن اختلف مع الكاتب فأبدع ليخالف كتابه وهذه هي عين الفهم الإبداعي الخارج عن أسوار النص..
مثال 2:
من هذا بعض اللفتات في شروح ديوان المتنبي –على سبيل المثال- المرتفعة عن الاستنتاج والتحليل والنقد فلولا حب وإعجاب المعري بالمتنبي ما أبدع وتميز في شرح ديوانه ولولا تأثر محمود شاكر رحمه الله بشخصية المتنبي ما أنتج قراءاته الإبداعية لقصائد المتنبي في سفره الشهير "المتنبي"..
مثال 3:
مَن أكبر في نفسه سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وتأمل الكثير من مواقفه نادرة الشجاعة , وأحبه من حب النبي صلى الله عليه وسلم
من تشرّبت نفسه كل هذا لا يمكن أن يقرأ هذه الأبيات دون أن تهزّه بخشية تجعله يتعايش في إبداع النص وإن كان في ميزان النقد بلا صور ولا خيال فقد جاء تقريرا خالصا ومع هذا ؛ أنصت واسمح لدويّ الشعر من حب الشاعر الذي يفتح لك آفاق التأمل للقراءة :
محمدٌ النبيُّ أخي وصهري .. وحمزةُ سيدُ الشهداءِ: عمّي
وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي.. يطيرُ مع الملائكةِ : ابنُ أمّي
وبنتُ محمدٍ سكني وزوجي.. مشوبٌ لحمها بدمي وعظمِي
وسبطا أحمدٍ ابناي منها .. فأيـُّـكم له سهمٌ كسهمي؟!
ثانيا: علاقة القارئ بالنص:
لن يجيد الوصول إلى مرحلة الإبداع إلا من هو على وفاق مع النص وتآلف وتحالف
لن تكون هناك قراءة إبداعية لنظرية كيمياء بإضافة واقتراحات إلا من فهم النص وتفاعل معه وأعمل فيه ذهنه ومواهبه.
و كذلك الحال في الأدب وكافة الفنون, سيصل القارئ للإبداع إن فهم أسس بناء النص فهما دقيقا ..
وهنا يمكن القول إن النص الجيد قد يفرض نفسه غنيا عن بقية العوامل فلا يتأثر الإبداع حوله بالكاتب او الظروف أو مجاله..
قد يعجب الطبيب بقصيدة شاعر لا يعرفه وتؤثر فيه فيقرأها إبداعيا وإن كان بعيدا عن كاتبها ومجالها وظروفها.. فالنص هو الحكم الأقوى في عوامل القراءة الإبداعية والحقيقة أن توافر بقية العوامل لا يغني شيئا إن ضعف النص أو ضعف الوصول إليه..
ثالثا علاقة القارئ بالظروف :
إن ما تقرعه ظروف نص في قلب قارئ لا تقرعه في قلب آخر بعيد عن مواقفه..
مثال:
أي القارئين ستكون قراءته إبداعية لمرثية أبي ذؤيب الهذلي: قارئ حديث فجيعة بابنته أم قارئ لم يجرب الأبوة قط!
و على هذا يمكن فهم تأثير الظروف على القراءة الإبداعية..
رابعا: تأثير المجال :
من سيقرأ نظريات نيوتن بإبداع وإضافة واقتراحات ؟
الشعراء أم الفيزيائيون؟
ومن سيقرأ بإبداع خريطة الإدريسي ويضيف إليها و يشرحها وينقحها ؟ الجغرافيون أم أهل الكيمياء؟
إن التخصص سيد الإبداع الأول, وإن كان لبعض الموهوبين سمات متنوعة موسوعية .. لكن في عصرنا إن أردت أن تبدع حقا: تخصص..
فقراءة المتخصص للأدب الأندلسي أدق من المتخصص في الأدب عامة ومن تخصص في شعر الطبيعة سيكون الأجود لأنه الأكثر إتقانا للمجال..
استراتيجيات القراءة الإبداعية:
للقراءة الإبداعية ثلاث مراحل:
قبل قراءة النص:
- التنبؤ بأفكار النص (من كان يتنبأ معنا بأفكار الدرس الأول و الثاني هو في الأصل يجرب إحدى استراتيجيات القراءة الإبداعية)
أثناء قراءة النص:
التساؤل عن معلومات أثناء قراءة النص بحيث تكون:
• الأسئلة لها علاقة بالنص نفسه.
• الأسئلة ليست لها علاقة بالنص.(تاريخ الكاتب أو العصر مثلا)
• الأسئلة استنباطية.
• الأسئلة في محاولة لفهم مابين السطور.
بعد قراءة النص:
• إعطاء تقديرات للنص.(التقديرات من تخصص الناقدة لكن إن أتت بتفرد مع دليل و منطق فهي إبداعية )
• اقتراح التعديلات التي يمكن إضافتها. (يمكنكم المرور على منتدى الإبداع ومتابعة ما يكتبه القراء من تعليقات على النصوص إن كانت استنتاجا أو حكما بجودة أو رداءة فهذا قارئ ناقد، وإن كانت مصحوبة باقتراحات للتعديل أو إضافات أو معارضات فهو قارئ مبدع ولا شك)• تمثيل أحداث القصة.
• رسم لوحة حول النص. (تحويل النص من شكل إلى آخر إبداع لأنه إنشاء خاص)
الخلاصة:إن القراءة الإبداعية تأمل وتفكير قبل و أثناء وبعد القراءة, "إنها فحص النص بدقة و الإنصات إلى نغم وإيقاع الكلمات والمعاني والبحث عما تخبئه من أسرار" وقد ذكر صلاح الدين الصفدي أبياتا مبهمة ثم قال:
قد تركت هذا المعنى غفلا ولم أوضح معناه لتعمل قريحتك وتشحذ ذهنك في استخراج النكتة فإنه إذا ظهر لك هز عطفك وكاد يطير بلبّك"
هذه هي .. اهتزاز الإبداع ونشوة التفرد في القراءة ومتعة التحليق خارج سرب قراء النص وهنا يمكن أن نقول: لكل نص قراءات بعدد قرائه ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترغيب في القراءة
الحديث كثير عن الترغيب في القراءة إيمانا بأهميتها وتعزيزا لأهدافها..
هي حاجة أساسية بذاتها لا لوظيفة ولا لتكسب ولا لتحصيل-على أهمية كل ذلك-
يقول العقاد: " إن القراءة لم تزل عندنا سُخرة يساق لها الأكثرون طلبا لوظيفة أو منفعة ولم تزل عند أمم الحضارة حركة نفسية كحركة عضو في البدن لا يطيق الجمود"
وهو نفسه القائل عن الترغيب في كتاب نافع مركز:" قراءة كتاب جيد ثلاث مرات خير لي من قراءة ثلاثة كتب رديئة" وهو ما أسميناه ثقافة التخصص..
و قبل أن تقتني أي كتاب أو تشرع في تصفح أي موقع خذ بنصيحة الرافعي:
(كل مقروء يرمي إلى إحدى ثلاث: اكتساب قريحة, أو فكر واسع, أو ملكة تقوي على الابتكار..فاقرأه ..)
ما سوى ذلك لا تضيع وقتك..
وقد وجدت اختصارا لكل النصائح للوصول إلى تجديد العهد بالكتاب و نفض الغبار عن الرفوف فوجدتها شاملة عند الأستاذ سلطان الدويفن جزاه الله خيرا.. فتأمل النصائح العشر واعمل بها تغنم خيرا.. يقول:
هي عشر طرق لبناء عادة القراءة بقوة، ترجمتها عن المستشار / كيفين إيكينبري بتصرف،
وأسوقها على الترتيب التالي :
1 - اجعل الكتاب قريبا منك دائماً، بجوارك، سواء في البيت،أو في العمل ، أو في السيارة، ولا تذهب إلى أي مكان بدون مادة قرائية سواء كانت كتاباً أو مجلة أو جريدة، ولتجعل الكتاب قريباً من مكان نومك، بهذه الطريقة تبقى على اتصال دائم مع القراءة وتستفيد من وقتك.(من نصائح الشيخ سلمان العودة للأخوات: اجعلي الكتاب الصغير المفيد في حقيبتك دوما, مع عطرك و أدوات زينتك لأنه الأكثر تأثيرا وسحرا على جاذبيتك)
2 - اجعل لك هدفاً تحققه ، وحدد كم من الوقت تريد تمضيته في القراءة ؟ أو كم من الكتب تريد قراءتها ؟ فيمكن أن يكون هدفك كتاباً في الشهر ، أو كتاباً في الأسبوع، أو ثلاثين دقيقة في اليوم ، وابدأ بقراءة يمكن قياسها بسهولة تشعر من خلالها أنك قد أنجزت شيئاً لنفسك، وعلى الدوام اجعل لنفسك أهدافاً أعلى ! ووضع الأهداف التي تريد تحقيقها من خلال القراءة يعتبر أول الخطوات لتقرأ أكثر.
3-ضع سجلاً ، ويقصد المستشار بأن تجعل لك سجلاً تكتب فيه الكتب التي قمت بقراءتها ، ووضع السجل ( كتيب ملاحظات مثلاً أو ورقة أو على جهاز كمبيوترك الشخصي) والنظر فيه بين كل فترة وأخرى يعطيك دوافعاً نفسيه قوية وحماسية لمزيد من القراءة، وحافظ على مسار معين للوقت الذي تقضيه في القراءة يومياً.
4-ضع قائمة ، ويقصد بأن يكون لك قائمة بالكتب التي تريد قراءتها في المستقبل ، واسأل المختصين أو من تثق به عن الكتب الجيدة والمميزة في المجالات التي تود أن تقرأ فيها ، ويمكن النظر في التوصيات التي تطرح في المجلات والمواقع المعروفة بصدقيتها عن الكتب الجيدة والتي ينصح بقراءتها.وإذا عرفت الكتب العظيمة والرائعة التي تود قراءتها عزز هذا من عاداتك القرائية بقوة.
5 – أغلق التلفزيون، فمعظم الناس لا يملكون أوقاتاً كثيرة، واجعل مشاهدتك للتلفزيون بعقلانية وضمير، وبوقت أقل من الوقت الذي تمضيه في مشاهدته عادة.
6 - ارتبط مع مجموعة من الناس تهوى القراءة، أو المجموعات التي تناقش الكتب، والحل الأسهل والأيسر هو مخالطة ومعاشرة من يقرؤون بكثرة ، فهؤلاء يزيدون حماسك للقراءة, لأنهم يثيرون نقاشا محفزا كل مرة و أخبرهم بما قرأت لانكم تتشاركون متعة عظيمة، وإن لم تجدهم فاصنع من نفسك قارئاً عظيماً ولا تنتظر أحدا.
7- استمع عندما لا تستطيع أن تقرأ ، فهناك من الأشرطة المفيدة والنافعة الكثيرة والتي تفيدك في هذا الموضوع، والمواضيع الأخرى،لعدد من المثقفين والإداريين والتربويين العرب، ومنها للتجربة شريط للدكتور عبد الكريم بكار عنوانه: كيف تقرأ كتابا؟ عدا عن أشرطته النافعة الأخرى، وكتبه الأخرى التي كتبها للمثقفين ولمن هم دونهم، وله كتاب عنوانه القراءة المثمرة من الكتب الرائعة والتي أنصح بقراءتها في هذا المجال.
8- زر مكتبة باستمرار ! ومعك بالطبع قائمتك المفضلة, بخصوص الكتب التي تود قراءتها ، ولديك بعض الأفكار عن ما تود قراءته ، وابحث عن الممتع المميز المفيد واستكشف الكتب من الفهارس، واجعل موهبة اكتشاف الكتب المتميزة تنمو، فهي موهبة تنمو مع الوقت والاستمرار، وهي من متع الدنيا والتي لا يعرفها إلا من جربها !
9- ابن خطتك الشخصية ! فبعض الناس يقرأ الكتب الدسمة صباحاً والكتب السهلة ليلاً ، وكل له عادة ، فابن عادتك وخطتك الشخصية للقراءة ، يمكن أن تقرأ فقط ما تحتاجه من الكتاب وتترك الباقي فلست مجبراً على قراءة الكتاب كاملا، ويمكن أن تقرأ كتاباً واحداً عدة مرات، فكل شخص له ما يحتاجه ويرغبه من الكتب .
10 - اترك كل شيء غير مهم واقرأ ،افعلها ، فقط ابدأ ، هناك من يقرأ الآن، انضم إليهم ، أو انضم إلينا ، الآن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكرا لإكمالك قراءة الدرس..
يمكنك إعادة اختبار التهيئة للتأكد من الفهم العام القبلي
أو البدء مباشرة في اختبار الاستيعاب النظري للدرس
وهنا يمكنك الدخول للاختبار التطبيقي "ويوجد له صفحة لنماذج الإجابة"وجزاكم الله خيرا ونفعنا أجمعين..
كتبت من قبل عضوة (أحاول أن)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.